فصل: الحديث التَّاسِع عشر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّامِن عشر:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ وَذَكَرَ اسْمَ اللهِ عَلَيه كَانَ طهُورًا لِجَميعِ بَدَنِهِ، وَمَنْ تَوَضَّأَ وَلمْ يَذْكُر اسْمَ اللهِ عَلَيه كَانَ طهُورًا لأَعْضَاء وضُوئِهِ».
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق كلهَا ضَعِيفَة.
أَحدهَا: عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «إِذَا تَطَهَّرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُر اسْمَ اللهِ فَإِنَّه يطهرُ جَسَده كُلّه، وإْنَ لمْ يَذْكُرْ أَحَدُكُمْ اسْمَ اللهِ عَلَى طهورِهِ لمْ يطهرْ مِنْه إِلاَّ مَا مَرَّ عَلَيهِ المَاءُ؛ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ طهورِهِ فَلْيَشْهَد أَن لَا إلهَ إِلاَّ الله وأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فِإذَا قَالَ ذَلِكَ فُتحتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَهَذَا لَفظه، وَالْبَيْهَقِيّ بِمثلِهِ وَزَاد بعد وَرَسُوله: «ثُمَّ ليصَلِّ عَلَيَّ، فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ فُتحتْ لَهُ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا حَدِيث ضَعِيف لَا أعلم رَوَاهُ عَن الْأَعْمَش إلاَّ يَحْيَى بن هَاشم وَيَحْيَى مَتْرُوك الحَدِيث.
قُلْتُ: يَحْيَى بن هَاشم هَذَا هُوَ ابْن كثير بن قيس أَبُو زَكَرِيَّا السمسار الغساني الْبَغْدَادِيّ وَهُوَ ضَعِيف بِمرَّة، قَالَ يَحْيَى: هُوَ دجال هَذِه الأمَّة. وَنسبه ابْن عدي وَابْن حبَان إِلَى وضع الحَدِيث.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ وَذَّكَرَ اسْمَ اللهِ عَلَى وضُوئِهِ كَانَ طهُورًا لِجَسَدِهِ، وَمَن تَوضَّأَ وَلمْ يَذْكُر اسْمَ اللهِ عَلَى وضُوئِهِ كَانَ طهُورًا لأَعْضَائِهِ».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الله بن حَكِيم- بِفَتْح الْحَاء- عَن عَاصِم بن مُحَمَّد، عَن نَافِع عَنهُ.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَعبد لله بن حَكِيم هُوَ أَبُو بكر الداهري وَهُوَ غير ثِقَة عِنْد أهل الحَدِيث.
قُلْتُ: بل هُوَ ضَعِيف جدًّا، مَنْسُوب إِلَى الْوَضع.
قَالَ أَحْمد وَيَحْيَى: لَيْسَ هُوَ بِشَيْء. زَاد أَحْمد: يروي أَحَادِيث مَنَاكِير. وَقَالَ السَّعْدِيّ: كَذَّاب مُصَرح. وَقَالَ ابْن حبَان: يضع الحَدِيث عَلَى الثِّقَات.
الطَّرِيق الثَّالِث: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ وَذَكَرَ اسْمَ اللهِ يطهرُ جَسَده كُلَّه وَمَن تَوَضَّأَ، وَلمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللهِ لمْ يطهرْ إِلا مَوضِعَ الوضُوءِ».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة مرداس بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي بردة عَن مُحَمَّد بن أبان، عَن أَيُّوب بن عَائِذ الطَّائِي، عَن مُجَاهِد، عَن أبي هُرَيْرَة.
قَالَ الشَّيْخ زكي الدَّين فِي كَلَامه عَلَى الْمُهَذّب: هُوَ حَدِيث ضَعِيف.
وَقَالَ عبد الحقّ فِي الْأَحْكَام: مُحَمَّد بن أبان لَا أعرفهُ الْآن، وأمّا أَيُّوب فمعروف ثِقَة. قَالَ ابْن الْقطَّان فِي علله: وَلَقَد جَهِلَ من قَالَ أَن مُحَمَّد بن أبان مَجْهُول وإنْ كَانَ يغلب عَلَى الظَّن أنَّه مُحَمَّد بن أبان الْجعْفِيّ، جد مشكدانة الْحَافِظ، وَهُوَ كُوفِي ضَعِيف كَانَ رَأْسا فِي المرجئة، فَترك لأجل ذَلِكَ حَدِيثه. ثمَّ نقل عَن البُخَارِيّ أنَّه قَالَ فِي أَيُّوب بن عَائِذ كُوفِي مرجئ. قَالَ: ووراء هَذَا كُله أنَّ فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث من لَا يُعرف البتَّة، وَهُوَ مرداس بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي بردة.
وَلِهَذَا الحَدِيث طَريقَة رَابِعَة: أَشَارَ إِلَيْهَا الْحَافِظ عبد الحقّ فِي الْأَحْكَام الْوُسْطَى فَقَالَ: ذكر عبد الْملك بن حبيب من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن أبان، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي: بِمثل حَدِيث أبي هُرَيْرَة.
قَالَ: وَهَذَا ضَعِيف جدًّا.
وخامسة: ذكرهَا أَبُو عبيد فِي كتاب الطّهُور فَقَالَ: روينَا عَن أبي بكر الصّديق حَدِيثا قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأَ الرَّجُلُ فَذَكَرَ اسْمَ اللهِ عَلَى وضُوئِهِ طهر جَسده كُلّه، وإنْ لمْ يذكرُ اسْمَ اللهِ عَلَيه لمْ يطهرْ مِنْه إِلاَّ مَوَاضِعَ الوضُوءِ».
قَالَ أَبُو عبيد: سَمِعت خلف بن خَليفَة يحدث بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي بكر؛ فَلَا أجدني أحفظه.
قَالَ النَّووي- رَحِمَهُ اللَّهُ-: مَعْنَى هَذَا الحَدِيث: كَانَ طهُورا لجَمِيع بدنه أَو لما مر عَلَيْهِ المَاء أَي مطهرًا من الذُّنُوب الصَّغَائِر.

.الحديث التَّاسِع عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يغسل يَدَيْهِ إِلَى كوعيه قبل الْوضُوء».
هَذَا حَدِيث صَحِيح ثَابت مَشْهُور، مستفيض من حَدِيث جماعات من الصَّحَابَة كَحَدِيث عُثْمَان الثَّابِت فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا: «أنَّه دَعَا بِمَاء فأفرغ عَلَى كفيه ثَلَاث مرَّاتٍ فغسلهما» وَقَالَ فِي آخِره: «هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يتوضَّأ».
وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «فأفرغ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، ثمَّ غسلهمَا إِلَى الكوعين». وَقَالَ فِي آخِره: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ مثل مَا رَأَيْتُمُونِي تَوَضَّأت».
وَحَدِيث عبد الله بن زيد الثَّابِت فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضا: أنَّه قيل لَهُ: «تَوَضَّأ لنا وضوء رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَعَا بِإِنَاء فأكفأ عَلَى يَدَيْهِ فغسلهما ثَلَاثًا...» الحَدِيث.
وَقَالَ فِي آخِره: «هَكَذَا كَانَ وضوء رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم» وَغير ذَلِكَ من الْأَحَادِيث الَّتِي ستأتي فِي الْبَاب.

.الحديث العشْرُونَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحدُكُم مِن نومِهِ فَلاَ يَغْمِس يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حتَّى يَغْسِلهَا ثَلاثًا؛ فإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد تقدم بَيَانه وَاضحا بِطرقِهِ فِي بَاب النَّجَاسَات.

.الحديث الحَادِي وَالْعشْرُونَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتمضمض ويستنشق فِي وضوئِهِ».
هَذَا صَحِيح مَشْهُور مستفيض من فعله عَلَيْهِ الصَّلَاة والسَّلام من رِوَايَة جمَاعَة من الصَّحَابَة، كعلي وَعُثْمَان وَعبد الله بن زيد وَغَيرهم.
وَسَيَأْتِي قَرِيبا رواياتهم مستوفاة.

.الحديث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ:

رُوي أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «عَشْر مِنَ الْفِطْرَةِ وعَدَّ مِنْهَا الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق».
هَذَا الحَدِيث وَارِد من طَرِيقين:
أَحدهمَا: عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «مِنَ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ، وإِعْفَاءُ اللحيةِ، والسِّواكُ، واسْتِنْشَاقُ المَاءِ، وَقَصُّ الأَظْفَارِ، وغسلُ البراجم، ونتفُ الإِبِطِ، وحلقُ العَانَةِ، وانتقَاصُ الماءِ قَالَ مُصعب بن شيبَة- أحد رُوَاته-: ونسيت الْعَاشِرَة إلاَّ أَن تكون الْمَضْمَضَة» وَقَالَ وَكِيع- وَهُوَ أحد رُوَاته-: انتقاص المَاء: الِاسْتِنْجَاء.
رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه كَمَا تقدَّم فِي الْفُصُول الْمُتَقَدّمَة فِي السِّواك.
والانتقاص: بِالْقَافِ وَالصَّاد الْمُهْملَة.
وَنقل الْعقيلِيّ عَن الإِمام أَحْمد أنَّه قَالَ: مُصعب بن شيبَة أَحَادِيثه مَنَاكِير، مِنْهَا هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا يحمدونه، وَلَيْسَ بِقَوي.
ولعلَّ البُخَارِيّ إنَّما ترك إِخْرَاجه فِي صَحِيحه لأَجله، أَو لأجل رِوَايَة سُلَيْمَان التَّيْمِيّ لَهُ عَن طلق مُرْسلَة، كَمَا قَالَه ابْن مَنْدَه.
والتيمي أجلُّ من مُصعب بِلَا شكّ، فقد اتّفق عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ، وَقَالَ شُعْبَة: مَا رَأَيْت أحدا أصدق مِنْهُ.
الطَّرِيق الثَّانِي: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَدَاوُد بن شبيب قَالَا: ثَنَا حَمَّاد، عَن عَلّي بن زيد، عَن سَلمَة بن مُحَمَّد بن عمار بن يَاسر- قَالَ مُوسَى: عَن أَبِيه. وَقَالَ دَاوُد: عَن عمار بن يَاسر- أنَّ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِنَّ مِنَ الْفِطْرَةِ: المَضْمَضَةُ والاسْتِنْشَاقُ...» فَذكر نَحوه- يَعْنِي: حَدِيث عَائِشَة الْمُتَقَدّم- قَالَ: وَلم يذكر إعفاء اللِّحْيَة زَاد والختان وَقَالَ: والانتضاح وَلم يذكر انتقاص المَاء- يَعْنِي: الِاسْتِنْجَاء.
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه عَن سهل بن أبي سهل وَمُحَمّد بن يَحْيَى، نَا أَبُو الْوَلِيد، نَا حَمَّاد، عَن عَلّي بن زيد، عَن سَلمَة بن مُحَمَّد بن عمار بن يَاسر، عَن عمار بن يَاسر، أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مِنَ الْفِطْرَةِ: المَضْمَضَةُ والاسْتِنْشَاقُ، والسِّوَاكُ، وقَصُّ الشَّارِبِ، وتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، ونَتْفُ الإِبِطِ، والاستحدادُ، وغَسْلُ البراجم، والانتضاحُ، والاخْتِتَانُ».
وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده عَن عَفَّان، ثَنَا حَمَّاد بِهِ إلاَّ أنَّه قَالَ: «إِنَّ مِنَ الْفِطْرَةِ... أَو الْفطْرَة...» فَذكرهَا.
وَهَذَا حَدِيث ضَعِيف لَا يصلح للاحتجاج بِهِ لوَجْهَيْنِ:
أَحدهمَا: أَن عَلّي بن زيد بن جدعَان ضَعِيف، وإنْ كَانَ بَعضهم قَوَّاه.
قَالَ ابْن الْقطَّان فِي علله: عَلّي بن زيد تَركه قوم وَضَعفه آخَرُونَ، وَوَثَّقَهُ جمَاعَة ومدحوه، وجملوا أمره، أَنه كَانَ يرفع الْكثير مِمَّا يقفه غَيره، وَاخْتَلَطَ آخرا وَلَا يتهم بِالْكَذِبِ وَكَانَ من الْأَشْرَاف.
الْوَجْه الثَّانِي: أَنه مُنْقَطع؛ لِأَن سَلمَة لمن يسمع عمارًا.
قَالَ ابْن الْقطَّان: قَالَ البُخَارِيّ: لَا يُعرف أنَّه سمع من عمار أم لَا. وقَالَ الشَّيْخ زكي الدَّين وَغَيره: قَالَ البُخَارِيّ: لَا يعرف أَن سَلمَة بن مُحَمَّد سمع عمارًا.
وَقَالَ النَّوَوِيّ: قَالَ الْحفاظ: لم يسمع سَلمَة عمارًا.
وَوجه ثَالِث: من التَّعْلِيل أَن سَلمَة هَذَا لَا يُعرف حَاله، كَمَا قَالَه ابْن الْقطَّان فِي علله. لَكِنَّهَا عرفت.
قَالَ ابْن حبَان: لَا يحْتَج بِهِ.
وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان: صَدُوق فِي نَفسه، رِوَايَته عَن جده مُرْسلَة وَعنهُ ابْن جدعَان وَحده ثمَّ ذكر كَلَام ابْن حبَان.
وَوجه رَابِع: أنَّ رِوَايَة أبي دَاوُد عَن سَلمَة بن مُحَمَّد بن عمار بن يَاسر، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلَة.
قَالَ الشَّيْخ زكي الدَّين فِي مُخْتَصر السّنَن: حَدِيث سَلمَة بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه مُرْسل؛ لأنَّ أَبَاهُ لَيست لَهُ صُحْبَة.
لَا جرم أنَّ عبد الحقّ فِي الْأَحْكَام قَالَ: هَذَا الحَدِيث لَا يقطع بِهِ حكم.
وَخَالف الشَّيْخ زكي الدَّين فَقَالَ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب: هَذَا حسن غَرِيب. قَالَ: وَقد اخْتلف فِيهِ عَلَى حَمَّاد. قَالَ: وَقَالَ البُخَارِيّ: لَا يعرف أَن سَلمَة بن مُحَمَّد سمع عمارًا. ثمَّ قَالَ فِي مُخْتَصر السّنَن كَمَا تقدم عَنهُ: حَدِيث سَلمَة عَن أَبِيه مُرْسل؛ لِأَن أَبَاهُ لَيست لَهُ صُحْبَة، وَحَدِيثه عَن جده عمار قَالَ ابْن معِين: مُرْسل. وَقَالَ غَيره: لم يره.
وَخَالف الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين ابْن الصّلاح فَقَالَ فِي كَلَامه عَلَى الْمُهَذّب: إِن هَذَا الحَدِيث قريب من الصِّحَّة. قَالَ: وَأَصَح مِنْهُ حَدِيث عَائِشَة. قَالَ: وَهُوَ بِمَعْنَاهُ.
قُلْتُ: وأمَّا ابْن السكن فِي صحاحه فَذكره.

.الحديث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ:

وَهُوَ يجمع سِتَّة أَحَادِيث، وَكَلَام الإِمام الرَّافِعِيّ فِيهِ مُرْتَبِط بعضه بِبَعْض، وَفِيه تكْرَار فِي الْأَحَادِيث، فَالْوَجْه أَن نذْكر عبارَة الرَّافِعِيّ برمتها ثمَّ نشفعها بِمَا وَقع فِيهَا من الْأَحَادِيث فَنَقُول:
قَالَ الإِمام الرَّافِعِيّ: أصل اسْتِحْبَاب الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق يتَأَدَّى بإيصال المَاء إِلَى الْفَم وَالْأنف، سَوَاء كَانَ بغرفة وَاحِدَة أَو بِأَكْثَرَ، لَكِن اخْتلفُوا فِي الْكَيْفِيَّة الَّتِي هِيَ أفضل عَلَى طَرِيقين:
أصَحهمَا: أَن فِيهِ قَوْلَيْنِ: أصَحهمَا: أَن الْفَصْل بَين الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق أفضل؛ لما رُوِيَ عَن طَلْحَة بن مصرف، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يفصل بَين الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق» وَيُقَال: إِن عُثْمَان وعليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما كَذَلِك روياه، ولأنَّه أقرب إِلَى النَّظافة.
وَالثَّانِي: الْجمع بَينهمَا أفضل؛ لما رُوِيَ عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي وصف وضوء رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أنَّه تمضمض مَعَ الِاسْتِنْشَاق بِمَاء وَاحِد».
وَنقل مثله عَن وصف عبد الله بن زيد، وَالرِّوَايَة عَنهُ وَعَن عَلّي وَعُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم فِي الْبَاب مُخْتَلفَة.
وَالطَّرِيق الثَّانِي: أَن الْفَصْل أفضل بِلَا خلاف، وَحَيْثُ ذكر الْجمع أَرَادَ بَيَان الْجَوَاز، فَإِن قُلْنَا بِالْفَصْلِ فَفِي كيفيته وَجْهَان:
أصَحهمَا: أنَّه يَأْخُذ غرفَة يتمضمض مِنْهَا ثَلَاثًا، وغرفة أُخْرَى يستنشق مِنْهَا ثَلَاثًا؛ لأنَّ عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَذَلِك رَوَاهُ.
وَالثَّانِي: أنَّه يَأْخُذ ثَلَاث غرفات للمضمضة وَثَلَاثًا للاستنشاق؛ لأنَّه أقرب إِلَى النَّظافة وأيسر، وَعَلَى هَذَا القَوْل تقدم الْمَضْمَضَة عَلَى الِاسْتِنْشَاق، وَهَذَا التَّقْدِيم مُسْتَحقّ فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ؛ لأنَّهما عضوان فيتعيَّن التَّرْتِيب بَينهمَا كَسَائِر الْأَعْضَاء.
وَالثَّانِي: أنَّه مُسْتَحبّ؛ لأنَّهما لتقاربهما بِمَنْزِلَة الْعُضْو الْوَاحِد كاليمين مَعَ الْيَسَار.
وَإِن قُلْنَا بِالْجمعِ فَفِي كيفيته وَجْهَان أَيْضا:
أظهرهمَا: أنَّه يَأْخُذ غرفَة يتمضمض مِنْهَا، ثمَّ يستنشق، ثمَّ يَأْخُذ غرفَة أُخْرَى يتمضمض مِنْهَا ثمَّ يستنشق، ثمَّ يَأْخُذ غرفَة ثَالِثَة يفعل بهَا مثل ذَلِكَ، كَذَلِك رُوِيَ عَن وصف عبد الله بن زيد.
وَالثَّانِي: أنَّه يَأْخُذ غرفَة وَاحِدَة يتمضمض مِنْهَا ثَلَاثًا، ويستنشق ثَلَاثًا، رُوِيَ فِي بعض الرِّوَايَات أَيْضا.
هَذَا آخر كَلَام الرَّافِعِيّ برمّته، وَقد اشْتَمَل عَلَى سِتَّة أَحَادِيث كَمَا أسلفناها.
أَحدهَا: حَدِيث طَلْحَة بن مصرف، عَن أَبِيه، عَن جده. وَهُوَ حَدِيث مَشْهُور، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه عَن شَيْخه حميد بن مسْعدَة، نَا مُعْتَمر، قَالَ: سَمِعت ليثًا يذكر عَن طَلْحَة عَن أَبِيه، عَن جده، قَالَ: «دخلت عَلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يتوضَّأ وَالْمَاء يسيل من وَجهه ولحيته عَلَى صَدره، فرأيته يفصل بَين الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق».
وهُوَ حَدِيث ضَعِيف؛ لأنَّ لَيْث بن أبي سليم ضَعِيف عِنْد الْجُمْهُور، وَقَالَ الإِمام أَحْمد: هُوَ مُضْطَرب الحَدِيث، وَلَكِن قد حدث عَنهُ النَّاس. وَضَعفه أَيْضا ابْن عُيَيْنَة وَالنَّسَائِيّ. وَقَالَ السَّعْدِيّ: يضعف حَدِيثه. وَقَالَ أَبُو حَاتِم وَأَبُو زرْعَة الرازيان: لَا يشْتَغل بِهِ هُوَ مُضْطَرب الحَدِيث.
وَقَالَ ابْن حبَان: اخْتَلَط فِي آخر عمره، وَكَانَ يقلب الْأَسَانِيد وَيرْفَع الْمَرَاسِيل، وَيَأْتِي عَن الثِّقَات بِمَا لَيْسَ من حَدِيثهمْ، تَركه يَحْيَى الْقطَّان وَيَحْيَى بن معِين وَابْن مهْدي وَأحمد.
وَأخرج لَهُ مُسلم مَقْرُونا. وَقَالَ صَاحب والكمال: أخرج لَهُ الشَّيْخَانِ.
وَفِي معرفَة الرِّجَال للبلخي قَالَ صَدَقَة بن الْفضل: هُوَ أَضْعَف الْعَالمين.
وسُئل وَكِيع عَنهُ، فَقَالَ: لَيْث لَيْث.
وَقَالَ يَعْقُوب بن شيبَة: صَدُوق ضَعِيف الحَدِيث.
وَفِي الموضوعات لِابْنِ الْجَوْزِيّ: هُوَ عِنْدهم فِي غَايَة الضعْف.
وَنقل النَّوَوِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي التَّهْذِيب وَكَلَامه عَلَى سنَن أبي دَاوُد اتِّفَاق الْعلمَاء عَلَى ضعفه واضطراب حَدِيثه واختلال ضَبطه.
قُلْتُ: قد قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي حَقه: كَانَ صَاحب سنة يخرج حَدِيثه إنَّما أَنْكَرُوا عَلَيْهِ الْجمع بَين عَطاء وَطَاوُس وَمُجاهد حسب.
وَقَالَ الْعجلِيّ: جَائِز الحَدِيث وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي الضُّعَفَاء: هُوَ حسن الحَدِيث وإنَّما ضعفه الِاخْتِلَاط بِأخرَة.
وَقَالَ الْبَزَّار: هُوَ أحد الْعباد إلاَّ أنَّه كَانَ قد أَصَابَهُ اخْتِلَاط فاضطرب فِي حَدِيثه، وإنَّما تكلم فِيهِ أهل الْعلم بِهَذَا، وَإِلَّا فَلَا نعلم أحدا ترك حَدِيثه.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي علله الْكَبِير: قَالَ مُحَمَّد- يَعْنِي: البُخَارِيّ-: هُوَ عِنْدِي صَدُوق ذكره بعد نَقله أنَّ أَحْمد قَالَ فِيهِ: لَا يفرح بحَديثه.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: هُوَ أعلم أهل الْمَدِينَة بالمناسك. قَالَ: وَسَأَلت يَحْيَى عَنهُ فَقَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْس.
وَقَالَ السَّاجِي: صَدُوق فِيهِ ضعف، كَانَ سيئ الْحِفْظ كثير الْغَلَط.
وَقَالَ ابْن شاهين: قَالَ عُثْمَان بن أبي شيبَة: هُوَ ثِقَة صَدُوق، وَلَيْسَ بحجَّة.
وَقد ضعفه بَعضهم من وَجه آخر وَهُوَ أَن جدّ طَلْحَة لم ير النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وليعلم أَن هَذَا الْأَمر قد اخْتلف فِيهِ. فَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي حَدِيث آخر لليث بن أبي سليم عَن طَلْحَة بن مصرف، عَن أَبِيه، عَن جده فِي الْوضُوء، قَالَ مُسَدّد: فَحدثت بِهِ يَحْيَى- يَعْنِي: الْقطَّان- فَأنكرهُ. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَسمعت أَحْمد يَقُول: ابْن عُيَيْنَة زَعَمُوا كَانَ يُنكره، وَيَقُول: أيش هَذَا طَلْحَة بن مصرف، عَن أَبِيه، عَن جدِّه؟.
وَقَالَ عَبَّاس الدوري- فِيمَا رَوَاهُ الْحَاكِم عَن الْأَصَم عَنهُ-: قُلْتُ ليحيى بن معِين: طَلْحَة بن مصرف، عَن أَبِيه، عَن جده رَأَى جده النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ يَحْيَى: المحدثون يَقُولُونَ هَذَا وَأهل بَيت طَلْحَة يَقُولُونَ: لَيست لَهُ صُحْبَة.
وَهَذَا يُخَالِفهُ مَا ذكره الْخلال، عَن أبي دَاوُد: سَمِعت رجلا من ولد طَلْحَة بن مصرف يذكر أنَّ جده لَهُ صُحْبَة، وَقَالَ: رَأَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَرَوَى الْحَاكِم أَيْضا عَن الطرائفي، قَالَ: سَمِعت الدَّارمِيّ يَقُول: سَمِعت عَلّي بن الْمَدِينِيّ يَقُول: قُلْتُ لِسُفْيَان: إِن ليثًا رَوَى عَن طَلْحَة بن مصرف، عَن أَبِيه، عَن جده أنَّه رَأَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ... فَأنْكر ذَلِكَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَسَأَلت عبد الرَّحْمَن- يَعْنِي: ابْن مهْدي- عَن نسب جد طَلْحَة؟ فَقَالَ: عَمْرو بن كَعْب- أَو كَعْب بن عَمْرو- وَكَانَت لَهُ صُحْبَة. وَقَالَ غَيره: عَمْرو بن كَعْب. لم يشك فِيهِ، ذكر ذَلِكَ الْبَيْهَقِيّ.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث فَلم يُثبتهُ، وَقَالَ: طَلْحَة هَذَا يُقَال إنَّه رجل من الْأَنْصَار، وَمِنْهُم من يَقُول: هُوَ طَلْحَة بن مصرف. قَالَ: وَلَو كَانَ طَلْحَة بن مصرف لم يخْتَلف فِيهِ.
وَقَالَ الْحَافِظ عبد الحقّ فِي الْأَحْكَام: طَلْحَة هَذَا يُقَال: هُوَ رجل من الْأَنْصَار؛ وَيُقَال: هُوَ طَلْحَة بن مصرف، وَلَا نَعْرِف لجده صُحْبَة.
قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهَذَا التَّرَدُّد من عبد الحقِّ فِيهِ نظر؛ فإنَّه الثَّانِي بِلَا شكّ، وَهُوَ قد تَابع ابْن أبي حَاتِم فِي ذَلِكَ. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَعلة الْخَبَر عِنْدِي: الْجَهْل بِحَال مصرف بن عَمْرو وَالِد طَلْحَة بن مصرف. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: هَذَا إِسْنَاد لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَلَا يحتجّ بِهِ. وَقَالَ فِي الْخُلَاصَة: ضَعِيف.
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى الْوَسِيط: إِسْنَاده لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَخَالف فِي كَلَامه عَلَى الْمُهَذّب فَقَالَ: هُوَ حَدِيث حسن، عَلَى أنَّ بعض الأئمَّة أنكرهُ.
وَفِي تَهْذِيب الْمزي: طَلْحَة عَن أَبِيه عَن جده فِي مسح الرَّأْس، وَعنهُ لَيْث بن أبي سليم، قيل: إِنَّه ابْن مصرف. وَقيل: غَيره، وَهُوَ الْأَشْبَه بالصَّواب. هَذَا لَفظه، وَهُوَ مُخَالف لما سلف إِنَّه ابْن مصرف بِلَا شكّ.
وَلما ذكر الْبَغَوِيّ تَرْجَمَة عَمْرو بن كَعْب جد طَلْحَة بن مصرف سَاقه.
وَقَالَ أَبُو زرْعَة: سمَّاه بَعضهم طَلْحَة بن مصرف.
وَكَذَا صرح بِهِ أنَّه ابْن مصرف: ابْن السكن فِي كِتَابه الْحُرُوف وَابْن مرْدَوَيْه فِي أَوْلَاد الْمُحدثين والعسكري وَيَعْقُوب بن سُفْيَان، وَأحمد فِي مُسْنده وَابْن أبي خَيْثَمَة فِي تَارِيخه، وَابْن الْمُقْرِئ فِي مُعْجَمه وَالْبَزَّار فِي أَمَالِيهِ وَأَبُو نعيم الْحَافِظ من رِوَايَة عبد الْوَارِث. زَاد رَوَاهُ الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان وَحَفْص بن غياث وَإِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّا، عَن لَيْث، عَن طَلْحَة بن مصرف بِنَحْوِهِ.
وَفِي كتاب الزّهْد لِأَحْمَد: أخْبرت عَن ابْن عُيَيْنَة أنَّه قيل لَهُ: إنَّ ليثًا يحدث عَن طَلْحَة بن مصرف، عَن أَبِيه، عَن جدّه أنَّه رَأَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْكر سُفْيَان أَن يكون لَهُ صُحْبَة.
وأمَّا الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّالِث: وهما حَدِيث عَلّي وَعُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أنَّهما رويا الْفَصْل بَين الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق أَيْضا، فَذكره الإِمام الرَّافِعِيّ تبعا وَهُوَ تَابع للإِمام؛ فإنَّه ذكره كَذَلِك فِي النّهاية وَأنْكرهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى الْوَسِيط فَقَالَ: هَذَا الْمَنْقُول عَن عَلّي وَعُثْمَان لَا يعرف وَلَا يثبت بل رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سنَنه عَن عَلّي ضد ذَلِكَ «أنَّه وصف وضوء رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَمَضْمَض مَعَ الِاسْتِنْشَاق بِمَاء وَاحِد».
قُلْتُ: لَكِن قد رَوَى ابْن مَاجَه عَن عَلّي- كرَّم الله وَجهه- «أنَّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ فَمَضْمض ثَلَاثًا واستنشق ثَلَاثًا من كف وَاحِدَة».
وَظَاهر ذَلِكَ الْفَصْل بل فِي مُسْند الإِمام أَحْمد مَا هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ حَيْثُ رَوَى بِسَنَدِهِ إِلَيْهِ «أنَّه دَعَا بكوز من مَاء فَغسل وَجهه وكفيه ثَلَاثًا وتمضمض ثَلَاثًا فَادْخُلْ بعض أَصَابِعه فِي فِيه واستنشق ثَلَاثًا وَغسل ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا وَمسح رَأسه وَاحِدَة» وَذكر بَاقِي الحَدِيث، وَقَالَ: «هَذَا وضوء نَبِي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم».
وَفِي سنَن أبي دَاوُد من حَدِيث عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن التَّيْمِيّ، قَالَ: «سُئِلَ ابْن أبي مليكَة عَن الْوضُوء فَقَالَ: رَأَيْت عُثْمَان بن عَفَّان يُسأل عَن الْوضُوء، فَدَعَا بِمَاء فَأتي بميضأة فأصغاها عَلَى يَده الْيُمْنَى، ثمَّ أدخلها فِي المَاء فَتَمَضْمَض ثَلَاثًا، واستنثر ثَلَاثًا، وَغسل وَجهه ثَلَاثًا...» إِلَى أَن قَالَ: «هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يتوضَّأ».
وَظَاهر هَذِه الرِّوَايَة أَخذ مَاء للمضمضة بمفردها ثمَّ مَاء آخر للاستنشاق بمفرده إِذْ الِاسْتِنْشَاق هُوَ الاستنثار، كَمَا هُوَ مَفْهُوم فِي غسل الْوَجْه وَغَيره.
لَا جرم اسْتدلَّ الْمَاوَرْدِيّ لقَوْل الْفَصْل بِهَذَا الحَدِيث، وَقَالَ ابْن دَاوُد: إنَّه مَذْهَب عُثْمَان فاستفد ذَلِكَ. ثمَّ رَأَيْت بعد ذَلِكَ فِي سنَن ابْن السكن الْمُسَمَّاة ب الصِّحَاح المأثورة مَا نَصه: رَوَى شَقِيق بن سَلمَة قَالَ: شهِدت عَلّي بن أبي طَالب وَعُثْمَان بن عَفَّان توضئا ثَلَاثًا ثَلَاثًا وأفردا الْمَضْمَضَة من الِاسْتِنْشَاق. ثمَّ قَالَ: هَكَذَا تَوَضَّأ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ: رُوِيَ عَنْهُمَا من وُجُوه.
وأمَّا الحَدِيث الرَّابِع: وَهُوَ حَدِيث عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَلهُ طرق وَاخْتِلَاف أَلْفَاظ فلنذكره مُسْتَوفى؛ لأنَّه أحد الْأَحَادِيث الَّتِي عَلَيْهَا مدَار بَاب الْوضُوء، فَنَقُول: لَهُ طرق:
أَحدهَا: عَن أبي حَيَّة- بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْيَاء الْمُثَنَّاة تَحت المفتوحتين- قَالَ: «رَأَيْت عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه تَوَضَّأ فَغسل كفيه حتَّى أنقاهما، ثمَّ تمضمض ثَلَاثًا واستنشق ثَلَاثًا، وَغسل وَجهه ثَلَاثًا وذراعيه ثَلَاثًا، وَمسح بِرَأْسِهِ مرّة، ثمَّ غسل قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثمَّ قَامَ فَأخذ فضل طهوره فشربه وَهُوَ قَائِم، ثمَّ قَالَ: أَحْبَبْت أَن أريكم كَيفَ كَانَ طهُور رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم».
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي إِسْحَاق، عَن عبد خير، أنَّه ذكر عَن عَلّي مثل حَدِيث أبي حَيَّة إِلَّا أنَّ عبد خير قَالَ: «كَانَ إِذا فرغ من طهوره أَخذ من فضل طهوره بكفه فشربه» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق الْهَمدَانِي عَن أبي حيَّة وَعبد خير والْحَارث عَن عَلّي. وَقد رَوَاهُ زَائِدَة بن قدامَة وَغير وَاحِد، عَن خَالِد بن عَلْقَمَة، عَن عبد خير، عَن عَلّي حَدِيث الْوضُوء بِطُولِهِ، وَهَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
ثمَّ رَوَى عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي حَيَّة، عَن عَلّي «أنَّ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا». قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا أحسن شَيْء فِي الْبَاب وأصحّ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة أبي حيَّة قَالَ: «رَأَيْت عليًّا تَوَضَّأ... فَذكر وضوءه كُله ثَلَاثًا ثَلَاثًا، قَالَ: ثمَّ مسح رَأسه ثمَّ غسل رجلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثمَّ قَالَ: إنَّما أَحْبَبْت أَن أُريكم طهُور رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم».
وَرَوَاهُ الْبَزَّار فِي مُسْنده من طرق عَن عَلّي، فِي بَعْضهَا: «ثمَّ أَدخل يَده الْيُمْنَى فِي الإِناء فَمَلَأ فَمه فَمَضْمض، ثمَّ استنشق ونثر بِيَدِهِ الْيُسْرَى ثَلَاث مَرَّات» ثمَّ قَالَ فِي آخِره: «هَذَا طهُور نَبِي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم» وَفِي بَعْضهَا: «وَمسح رَأسه ثَلَاثًا».
وَاعْترض أَبُو الْحسن بن الْقطَّان عَلَى تَصْحِيح أبي حَيَّة هَذَا بِأَن قَالَ: أَبُو حَيَّة الوادعي قَالَ فِيهِ أَحْمد بن حَنْبَل: شيخ. قَالَ: وَمَعْنى ذَلِكَ عِنْدهم أنَّه لَيْسَ من أهل الْعلم، وإنَّما وَقعت لَهُ رِوَايَة لحَدِيث أَو أَحَادِيث فَأخذت عَنهُ، وهم يَقُولُونَ: لَا تقبل رِوَايَة الشُّيُوخ فِي الْأَحْكَام. وَقد رَأَيْت من قَالَ فِي هَذَا الرجل أنَّه مَجْهُول، وَأَبُو الْوَلِيد الفرضي مِمَّن قَالَ ذَلِكَ، وَلَا يروي عَنهُ- فِيمَا أعلم- غير أبي إِسْحَاق، وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَا يُسمى. وَوَثَّقَهُ بَعضهم. قَالَ: وَصحح من حَدِيثه «أنَّ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ ثَلَاثًا»: ابْن السكن. قَالَ: وَأتبعهُ التِّرْمِذِيّ بأنَّه أحسن شَيْء فِي الْبَاب، وَهُوَ بِاعْتِبَار حَال أبي حَيَّة، وَبِاعْتِبَار حَال أبي إِسْحَاق واختلاطه حسن، فإنَّ أَبَا الْأَحْوَص وَزُهَيْر بن مُعَاوِيَة سمعا مِنْهُ بعد الِاخْتِلَاط، قَالَه ابْن معِين.
وَاعْترض شَيخنَا فتح الدَّين ابْن سيد النَّاس- رَحِمَهُ اللَّهُ- عَلَى ابْن الْقطَّان، فَقَالَ: أما تحسينه إِيَّاه فَلَيْسَ بِمُسْتَقِيم؛ لأنَّ ابْن السكن وَابْن عبد الْوَاحِد الْمَقْدِسِي صَحَّحَاهُ.
وأمَّا قَول التِّرْمِذِيّ: أحسن شَيْء فِي الْبَاب. فَلَا يدل ذَلِكَ عَلَى أنَّه حسن عِنْده وإنْ كَانَ قد يُفِيد التحسين فَلم يقْتَصر عَلَى هَذِه اللَّفْظَة؛ بل قَالَ: أحسن شَيْء فِي هَذَا الْبَاب وأصحَّ. فَإِن كَانَ اسْتَفَادَ التحسين من قَوْله: أحسن فليستفد التَّصْحِيح من قَوْله: وأصحّ وَلَا فرق، بل قد صَححهُ التِّرْمِذِيّ فِي بَاب وضوء النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ كَانَ.
قَالَ: وأمَّا الْكَلَام فِي أبي حَيَّة فقد وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان، وَلَيْسَ فِي الْجَهَالَة الَّتِي حَكَاهَا عَن ابْن الفرضي وَلَا فِي قَول الإِمام أَحْمد عَنهُ: شيخ مَا يُعَارض التَّوثيق الْمَذْكُور، وأمَّا قَوْله إنَّه لم يروِ عَنهُ غير أبي إِسْحَاق فقد رَوَى أَبُو أَحْمد الْحَاكِم هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة الْمنْهَال بن عَمْرو عَن أبي حَيَّة فَهَذَا راوٍ ثانٍ عَن أبي حَيَّة، لَكِن الْحَاكِم أَبُو أَحْمد قَالَ فِي تَرْجَمته: إِن كَانَ ذَلِكَ مَحْفُوظًا... ثمَّ سَاقه بِسَنَدِهِ.
وسُئل أَبُو زرْعَة عَن حَدِيث الْمنْهَال بن عَمْرو، عَن زر بن حُبَيْش قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى عَلّي يسْأَله عَن وضوء رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إنَّما يرْوَى عَن الْمنْهَال بن عَمْرو عَن أبي حَيَّة عَن عَلّي، وَهُوَ أشبه.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة، نَا أَبُو نعيم نَا ربيعَة الْكِنَانِي، عَن الْمنْهَال بن عَمْرو، عَن زر بن حُبَيْش أَنه سمع عليًّا- وَسُئِلَ عَن وضوء رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم... وَذكر الحَدِيث.
وأمَّا التَّضْعِيف بِرِوَايَة زُهَيْر عَن أبي إِسْحَاق وأنَّه سمع مِنْهُ بعد الِاخْتِلَاط، فَلَا تشأ أَن ترَى فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثا من رِوَايَة زُهَيْر عَن أبي إِسْحَاق إِلَّا رَأَيْته. وَلَيْسَ هَذَا الحَدِيث مِمَّا انْفَرد بِهِ زُهَيْر عَن أبي إِسْحَاق.
فقد رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيره عَن مُحَمَّد بن بشار، عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي، عَن سُفْيَان، عَن أبي إِسْحَاق.
وَذكر الْحَافِظ أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ فِي كتاب الْعِلَل وُجُوهًا عديدة من الِاخْتِلَاف عَلَى أبي إِسْحَاق فِي رِوَايَة هَذَا الحَدِيث، ثمَّ قَالَ: وأصحها كلهَا قَول من قَالَ عَن أبي حيَّة عَن عَلّي «أنَّه تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا».
فَائِدَة:
أَبُو حَيَّة اسْمه: عَمْرو بن عبد الله. قَالَه ابْن حبَان فِي ثقاته.
وَقَالَ الْأَمِير: أَبُو حَيَّة الوادعي الْهَمدَانِي مُخْتَلف فِي اسْمه، فَيُقَال: عَمْرو بن نصر، وَقيل: عَامر بن الْحَارِث.
وَقَالَ أَبُو زرْعَة وَالْحَاكِم أَبُو أَحْمد: لَا يعرف اسْمه.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن خَالِد بن عَلْقَمَة عَن عبد خير قَالَ: «أَتَانَا عَلّي وَقد صَلَّى فَدَعَا بِطهُور فَقُلْنَا مَا يصنع بِهِ وَقد صَلَّى؟ مَا يُرِيد إِلَّا ليعلمنا، فَأتي بِإِنَاء فِيهِ مَاء وطست فأفرغ من الإِناء عَلَى يَمِينه فَغسل يَدَيْهِ ثَلَاثًا ثمَّ تمضمض واستنشق- وَفِي لفظ: واستنثر ثَلَاثًا، فَمَضْمض ونثر من الْكَفّ الَّذِي يَأْخُذ فِيهِ- ثمَّ غسل وَجهه ثَلَاثًا، وَغسل يَده الْيُمْنَى ثَلَاثًا، وَغسل يَده الشمَال ثَلَاثًا، ثمَّ جعل يَده فِي الإِناء فَمسح بِرَأْسِهِ مرّة وَاحِدَة، ثمَّ غسل رجله الْيُمْنَى ثَلَاثًا وَرجله الشمَال ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ: من سره أَن يعلم وضوء رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ هَذَا».
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي سُنَنهمَا.
وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «فَتَمَضْمَض ثَلَاثًا واستنشق ثَلَاثًا».
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «تمضمض مَعَ الِاسْتِنْشَاق بِمَاء وَاحِد».
قَالَ الْخَطِيب فِي المدرج: قَالَ ابْن أبي دَاوُد هَذِه سنة تفرد بهَا أهل الْكُوفَة فِي الْجمع بَين الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق بكفّ وَاحِد.
وَفِي رِوَايَة لِابْنِ مَاجَه: «تَوَضَّأ فَمَضْمض ثَلَاثًا واستنشق ثَلَاثًا من كف وَاحِد» وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان: «فَمَضْمض واستنشق ثَلَاثًا».
وَفِي رِوَايَة للبزار: «ثمَّ أَدخل يَده فِي الإِناء فَمَلَأ فَمه فَمَضْمض واستنشق ونثر بِيَدِهِ الْيُسْرَى ثَلَاث مَرَّات» وَفِي آخِره: «غسل قَدَمَيْهِ بِيَدِهِ الْيُسْرَى».
وَفِي رِوَايَة لأبي عبيد فِي كِتَابه الطّهُور: «ثمَّ أَدخل يَده الْيُمْنَى فِي الإِناء فَمَضْمض واستنشق ونثر بِيَدِهِ الْيُسْرَى، وَفعل ذَلِكَ ثَلَاث مَرَّات».
وَعبد خير كنيته: أَبُو عمَارَة الخَيْواني- بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَقبل يَاء النِّسْبَة نون- وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين، وَأحمد بن عبد الله الْكُوفِي، وَهُوَ مخضرم، وَسَيَأْتِي تَفْسِير المخضرم فِي آخر بَاب الآذان- إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وخَالِد بن عَلْقَمَة وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: شيخ. لَا جرم أَن ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان أخرجَا الحَدِيث فِي صَحِيحَيْهِمَا من طريقهما.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: اتّفق رُوَاة هَذَا الحَدِيث عَلَى مسح الرَّأْس مرّة وَاحِدَة. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَته عَن خَالِد بن عَلْقَمَة، عَن عبد خير «أنَّه مسح رَأسه ثَلَاثًا». وَخَالف فِي هَذَا؛ فَزعم أَن السّنة مرّة وَاحِدَة.
الطَّرِيق الثَّالِث: عَن زر بن حُبَيْش «أنَّه سمع عليًّا- وَسُئِلَ عَن وضوء رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم...» فَذكر الحَدِيث، قَالَ: «وَمسح عَلَى رَأسه حتَّى لما يقطر، وَغسل رجلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثمَّ قَالَ: هَكَذَا وضوء رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم».
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقد تقدَّم الْكَلَام قَرِيبا عَلَى هَذِه الطَّرِيق.
الطَّرِيق الرَّابِع: عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى قَالَ: «رَأَيْت عليًّا تَوَضَّأ فَغسل وَجهه ثَلَاثًا، وَغسل ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، وَمسح بِرَأْسِهِ وَاحِدَة، وَقَالَ: هَكَذَا تَوَضَّأ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم».
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، عَن زِيَاد بن أَيُّوب الطوسي- وَهُوَ الْحَافِظ، احْتج بِهِ البُخَارِيّ- نَا عبيد الله بن مُوسَى- وَهُوَ الْعَبْسِي، احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ- نَا فطر بن خَليفَة- وَهُوَ صَدُوق، وَثَّقَهُ ابْن معِين وَأحمد، واحتجَّ بِهِ البُخَارِيّ- عَن أبي فَرْوَة- وَهُوَ عُرْوَة بن الْحَارِث الْهَمدَانِي- احتجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين- عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى.
الطَّرِيق الْخَامِس: عَن مُحَمَّد بن طَلْحَة بن يزِيد بن ركَانَة، عَن عبيد الله الْخَولَانِيّ، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: دخل عليَّ عليّ- يَعْنِي: ابْن أبي طَالب- وَقد أهراق المَاء، فَدَعَا بِوضُوء فأتيناه بتور فِيهِ مَاء حتَّى وضعناه بَين يَدَيْهِ، فَقَالَ: ابْن عَبَّاس: «أَلا أريك كَيفَ كَانَ يتوضَّأ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قُلْتُ: بلَى. قَالَ: فأصغي الإِناء عَلَى يَدَيْهِ فغسلهما ثمَّ أَدخل يَده الْيُمْنَى فأفرغ بهَا عَلَى الْأُخْرَى، ثمَّ غسل كفيه، ثمَّ تمضمض واستنثر، ثمَّ أَدخل يَدَيْهِ فِي الإِناء جَمِيعًا فَأخذ بهما حفْنَة من مَاء فَضرب بهَا عَلَى وَجهه، ثمَّ ألقم إبهاميه مَا أقبل من أُذُنَيْهِ، ثمَّ الثَّانِيَة ثمَّ الثَّالِثَة مثل ذَلِكَ، ثمَّ أَخذ بكفه الْيُمْنَى قَبْضَة من مَاء فصبها عَلَى ناصيته فَتَركهَا تستن عَلَى وَجهه، ثمَّ غسل ذِرَاعَيْهِ إِلَى الْمرْفقين ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثمَّ مسح بِرَأْسِهِ وَظُهُور أُذُنَيْهِ، ثمَّ أَدخل يَدَيْهِ جَمِيعًا، ثمَّ أَخذ حفْنَة من مَاء فَضرب بهَا عَلَى رجله وفيهَا النَّعْل فغسلها بهَا، ثمَّ الْأُخْرَى مثل ذَلِكَ. قُلْتُ: وَفِي النَّعْلَيْنِ؟ قَالَ: وفِي النَّعْلَيْنِ. قُلْتُ: وَفِي النَّعْلَيْنِ؟ قَالَ: وَفِي النَّعْلَيْنِ. قُلْتُ: وَفِي النَّعْلَيْنِ؟ قَالَ: وَفِي النَّعْلَيْنِ».
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه وَفِي رِوَايَة لَهُ: «وَمسح بِرَأْسِهِ مرّة» وَفِي رِوَايَة لَهُ «وَمسح بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا». وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَزَّار وَقَالَ: لَا نعلم أحدا رَوَى هَذَا الْكَلَام فِي صفة وضوء رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا من حَدِيث عبيد الله الْخَولَانِيّ، وَلَا نعلم أنَّ أحدا رَوَاهُ عَن عبيد الله الْخَولَانِيّ إلاَّ مُحَمَّد بن طَلْحَة.
قُلْتُ: عبيد الله مُتَّفق عَلَى الِاحْتِجَاج بِهِ، ومُحَمَّد بن طَلْحَة بن يزِيد وَثَّقَهُ يَحْيَى وَجَمَاعَة.
وَمُحَمّد بن إِسْحَاق فسنعقد لَهُ فصلا مُسْتقِلّا فِي أَقْوَال الأئمَّة فِيهِ فِي بَاب مَوَاقِيت الصَّلَاة- إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَقد صرَّح ابْن إِسْحَاق بِالتَّحْدِيثِ، كَمَا قَالَ صَاحب الإِمام فَسلم الحَدِيث من احْتِمَال التَّدْلِيس، لَا جرم أَن ابْن حبَان أخرجه فِي صَحِيحه لَكِن مُخْتَصرا، وَهَذَا لَفظه: عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «دخل عليٌّ بَيْتِي وَقد بَال، فَدَعَا بِوضُوء فجئناه بِقَعْبٍ يَأْخُذ المُدَّ حتَّى وضع بَين يَدَيْهِ، فَقَالَ: أَلا أتوضأ لَك وضوء رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقلت: فدَاك أبي وأمّي. قَالَ: فَغسل يَدَيْهِ، ثمَّ مضمض واستنشق واستنثر، ثمَّ أَخذ بِيَمِينِهِ المَاء فصك بِهِ وَجهه حتَّى فرغ من وضوئِهِ».
لَكِن قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ فِي مُخْتَصر السّنَن: قَالَ التِّرْمِذِيّ: سَأَلت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل عَنهُ- يَعْنِي: هَذَا الحَدِيث- فضعفه، وَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا هَذَا.
الطَّرِيق السَّادِس: عَن النزال بن سُبْرَة قَالَ: «صليت مَعَ عَلّي بن أبي طَالب الظّهْر، ثمَّ انْطلق إِلَى مجْلِس لَهُ كَانَ يجلسه فِي الرحبة، فَقعدَ وقعدنا حوله حتَّى حضرت الْعَصْر، فَأتي بِإِنَاء فِيهِ مَاء فَأخذ مِنْهُ كفًّا فَتَمَضْمَض واستنشق، وَمسح وَجهه وذراعيه وَمسح بِرَأْسِهِ وَمسح رجلَيْهِ، ثمَّ قَامَ فَشرب فضل إنائه، ثمَّ قَالَ: إنِّي حدثت أَن رجَالًا يكْرهُونَ أَن يشرب أحدهم وَهُوَ قَائِم. وَإِنِّي رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فعل كَمَا فعلت، وَهَذَا وضوء من لم يحدث».
رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه.
وَأخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه فِي كتاب الْأَشْرِبَة، وَهَذَا لَفظه: عَن النزال بن سُبْرَة «أنَّ عليا صلَّى الظّهْر ثمَّ قعد فِي حوائج النَّاس فِي رحبة الْكُوفَة حتَّى حضرت صَلَاة الْعَصْر، ثمَّ أَتَى بِمَاء فَشرب وَغسل وَجهه وَيَديه- ثمَّ ذكر رَأسه وَرجلَيْهِ- ثمَّ قَامَ فَشرب فَضله وَهُوَ قَائِم، ثمَّ قَالَ: إنَّ نَاسا يكْرهُونَ الشّرْب قَائِما وإنَّ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صنع مِثْلَمَا صنعت».
وأمّا الحَدِيث الْخَامِس، وَهُوَ حَدِيث عبد الله بن زيد، فَرَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي صَحِيحَيْهِمَا عَن عبد الله بن زيد بن عَاصِم «أنَّه قيل لَهُ: تَوَضَّأ لنا وضوء رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَعَا بِإِنَاء فأكفأ مِنْهَا عَلَى يَدَيْهِ فغسلهما ثَلَاثًا، ثمَّ أَدخل يَده فاستخرجها فَمَضْمض واستنشق من كف وَاحِدَة فَفعل ذَلِكَ ثَلَاثًا ثمَّ أَدخل يَده فاستخرجها فَغسل وَجهه ثَلَاثًا، ثمَّ أَدخل يَده فاستخرجها فَغسل يَدَيْهِ إِلَى الْمرْفقين مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ ثمَّ أَدخل يَده فاستخرجها فَمسح بِرَأْسِهِ فَأقبل بيدَيْهِ وَأدبر، ثمَّ غسل رجلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثمَّ قَالَ: هَكَذَا كَانَ وضوء رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم».
وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «ثمَّ أَدخل يَمِينه فِي الإِناء فَمَضْمض واستنشق واستنثر ثَلَاثًا بِثَلَاث غرفات من مَاء».
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فَمَضْمض واستنشق ثَلَاث مَرَّات من غرفَة وَاحِدَة، ثمَّ أَدخل يَده فاغترف بهَا، فَغسل وَجهه ثَلَاث مَرَّات».
وَفِي رِوَايَة لمُسلم فِي مسح الرَّأْس: «بَدَأَ بِمقدم رَأسه، ثمَّ ذهب بهما إِلَى قَفاهُ، ثمَّ ردهما حتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَان الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ».
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فَأقبل بيدَيْهِ وَأدبر مرّة وَاحِدَة».
وَفِي رِوَايَة لَهُ وللبخاري: «فَمَضْمض واستنشق واستنثر من ثَلَاث غرفات». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فَمَضْمض، ثمَّ استنثر، ثمَّ غسل وَجهه ثَلَاثًا، وَيَده الْيُمْنَى ثَلَاث، وَالْأُخْرَى ثَلَاثًا، وَمسح رَأسه بِمَاء غير فضل يَده».
وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان: «ثمَّ أَدخل يَده فِي الإِناء فَتَمَضْمَض واستنشق ثَلَاث مَرَّات من ثَلَاث حفنات».
وأمَّا الحَدِيث السَّادِس: وَهُوَ حَدِيث عُثْمَان فَرَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من رِوَايَة حمْرَان مولَى عُثْمَان بن عَفَّان، عَنهُ «أنَّه دَعَا بِوضُوء فَتَوَضَّأ فَغسل كفيه ثَلَاث مَرَّات، ثمَّ مضمض واستنثر، ثمَّ غسل وَجهه ثَلَاث مَرَّات، ثمَّ غسل يَده الْيُمْنَى إِلَى الْمرْفق ثَلَاث مَرَّات، ثمَّ غسل يَده الْيُسْرَى، ثمَّ مسح رَأسه، ثمَّ غسل رجله الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلَاث مَرَّات، ثمَّ غسل رجله الْيُسْرَى مثل ذَلِكَ، ثمَّ قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ نَحْو وضوئي هَذَا، ثمَّ قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَنْ تَوَضَّأَ نَحْو وضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَين لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسه غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وَهَذَا اللَّفْظ الَّذِي سقناه هُوَ لمُسلم، وَأخرجه ابْن حبَان مُخْتَصرا، وَهَذَا لَفظه: عَن حمْرَان «رَأَيْت عُثْمَان قَاعِدا فِي المقاعد فَدَعَا، بِوضُوء فَتَوَضَّأ ثمَّ قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَوَضَّأ فِي مقعدي هَذَا مثل وضوئي هَذَا ثمَّ قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَنْ تَوَضَّأَ مِثْل وضُوئِي هَذَا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مَنْ ذَنْبِهِ، ثمَّ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: وَلاَ تَغْتَرُّوا».
وَفِي رِوَايَة لمُسلم وَالْبُخَارِيّ، عَن حمْرَان «أنّه رَأَى عُثْمَان دَعَا بِإِنَاء، فأفرغ عَلَى كفيه ثَلَاث مَرَّات فغسلهما، ثمَّ أَدخل يَمِينه فِي الإِناء فَمَضْمض واستنشق وَغسل وَجهه».
وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «ثمَّ تمضمض واستنشق واستنثر».
وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «فَتَمَضْمَض ثَلَاثًا واستنثر ثَلَاثًا».
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «ثمَّ تمضمض واستنثر ثَلَاثًا».
وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «ثمَّ تمضمض واستنثر ثَلَاث مَرَّات».
وَفِي رِوَايَة لِابْنِ خُزَيْمَة: «فَمَضْمض، ثمَّ استنثر، ثمَّ غسل وَجهه ثَلَاثًا وَيَده الْيُمْنَى ثَلَاثًا وَالْأُخْرَى ثَلَاثًا، وَمسح رَأسه بِمَاء غير فضل يَدَيْهِ، وَغسل رجلَيْهِ حتَّى أنقاهما».
انْقَضَى الْكَلَام عَلَى الْأَحَادِيث الَّتِي ذكرهَا الإِمام الرَّافِعِيّ- بِحَمْد الله وعونه- وَالرِّوَايَات الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا كلهَا دَاخِلَة فِي ضمن مَا ذَكرْنَاهُ من الْأَحَادِيث؛ فتفطن لأخذها.